حين فكرت في الزواج ذهبت إلى عائلتي وطلبت مشورتهم، فعرضوا عليّ عدداً من قريباتي ومعارفهن، سواء بنات أصدقاء أبي أو صديقات أمي، ولكن صديقي عرض عليّ شيئاً آخر لم أفكر فيه أبداً، ولم أتخيل أنه ما يزال موجوداً في عصر الإنترنت والستالايت، عرض عليّ الذهاب إلى الخاطبة. "هل تمزح؟ كيف أتزوج عام 2003 بطريقة 1900؟". هكذا أجبته فما كان منه إلا أن سألني: "وماذا تعني بطلبك من أهلك أن يبحثوا لك عن عروسة، أليست نفس الفكرة؟ الخاطبة فكرة جديدة، وبعدين يا أخي ألم تسمع المثل القائل أعطِ العيش لخبازه"؟
تذكرت هذا الحوار مع خبرتي المتواضعة في مجال تزويج الشباب والتي بدأتها منذ عام 77 ولم أكن قد تزوجت أنا شخصياً، أرى أن الفرق بين ابن العشرين من عشرين عاماً والموجود حالياً فرق أكبر من مجرد كبير.. كنت أيامها حين أقوم بترشيح عروس يسألني الشاب مجموعة أسئلة تنبئ بصورة واضحة عن أهم ركائز تفكيره في إقامة بيت: بنت مين؟ أهلها ناس طيبون؟ "شكلها إيه؟ متدينة؟ خريجة إيه؟ هل تعمل؟ هل مصممة على العمل بعد الزواج؟ هل تعلم بظروفي ومستوى دخلي؟.
كان هذا هو نوع الأسئلة التي أواجهها، وكانت الإجابات سهلة هينة بإذن الله وكانت أغلب مشاريع الزواج تتم إذا كانت الترشيحات مناسبة ومدروسة من البداية، وكم سعدت بكم الدعاء الذي حصلت عليه من آباء وأمهات كنت السبب الذي قدره الله لإسعاد ابنهم أو ابنتهم.. ولكن ومع مرور السنين.. لست أذكر على وجه التحديد متى أصبحت طلبات الزواج فجة، ولكنها بالتأكيد تدرجت حتى نطقت فجأة بقبح في قواعد الاختيار ما كان ليعرفه المجتمع المصري أو الشرقي المسلم لولا التليفزيون والفضائيات.
وإليكم هذا الحوار التقليدي الذي سمعته لأول مرة من شاب على دين وخلق ولا أزكيه، وكان هذا من حوالي 5 أو 6 سنوات، ثم أصبح هو الحوار العادي لطالب الزواج مع بعض اختلافات هنا وهناك:
"عاوز حضرتك تساعديني في إيجاد عروس... فسألته: وما ظروفك يا بني؟ وسأتجاوز نقطة الظروف؛ فحسب كل شخص يكون الترشيح، أما سؤالي الأخير فهو دائماً: لك شروط معينة يا بني؟ أبداً والله يا دكتورة تكون مقبولة وبنت حلال؟!
عاوز عروسة تكون...
وأبحث بجدية لأعثر على الترشيح المناسب الذي يتكامل مع ظروفه ونتفق على أول موعد لقاء وإليكم بعض التعليقات:
"دي سمراء..." (هو إحنا يا بني في النرويج.. متوقع طبعاً تكون خمرية)
"لا يا حاجة أنت بتحثيني على الفضيلة؟!" (لأنها ترتدي نظارة)
"الحقيقة لا يوجد اتفاق" (هو أنت كلمتها علشان تتفقوا أو تختلفوا؟)
ونأتي لبيت القصيد.. "أخبرني يا ولدي عن الشكل الذي تريده؟!.. يعني بيضاء طويلة ملفوفة، أفضلها شقراء.. لو عينيها ملونة.. لازم تكون بيضاء قوي.. عاوزها شبه فلانة.. (وفلانة هذه نجمة إعلانات أو ممثلة ناشئة) يعني ما هو أنا محتاج أعفّ نفسي ولازم هي تعفّني وتساعدني كي لا أنظر لغيرها".
فما وجدته يا سادة أن الشباب حتى الملتزم منهم أصبحت في عينيه صورة للزوجة المستقبلية، وجعل منها قالباً يحاول إدخال كل فتاة إليه فإن انضبط مقاسها فبها ونعمت، وإن لم ينضبط فهو يعتذر حتى قبل أن يسمعها أو يعرف عن دينها وشخصيتها أي شيء...
أحياناً أقبل هذا السفه واعذروني في التسمية حين يكون الشاب وسيماً ثرياً ناجحاً وأقول لنفسي أمامه فرص الاختيار الواسعة وهو مدلل بالبيئة والنشأة، ويستطيع شراء الجمال..
أما أن تجد رجلاً يبلغ 38 عاماً، وهو رجل فاضل يبحث عن زوجة لا تزيد عن 26-27 عاماً لا تزيد عن ذلك، ويريدها شقراء بشعر بني طويل، أو بيضاء بشعر أسود ليلي طويل أيضاً، وفي كل مرة يشير إلى فتاة رائعة الجمال ويقول: "صدقيني لو جلست معي قليلاً فستحبني أنا إنسان طيب وملتزم".. وترفض جميلة الجميلات الفكرة من بابها وهو حزين لرفضها.
بالله عليكم - وقد أخبرته مواجهة بهذه النقطة - ماذا يقدم هو لهذه اليافعة الجميلة (12 سنة فرق سن وإمكانيات يا دوب معيشية...) الزواج ليس تجارة، ولكنه شراكة وفي كل شركة هناك حسابات ودراسة جدوى.. أما هو فمصمم على السن لأنه يشعر أنه شاب وصحته كويسة، ويحتاج عروساً صغيرة يلاعبها وتلاعبه... ممكن ولكن على شرط ألا تكون فائقة الجمال إلى الحد الذي يطلبه.. ولكن أبداً..
المضحك - وقد تعلمون جميعاً أني مصرية سمراء صميمة لا تخطئ ملامحي وسط مئات النساء أني مصرية- أنه بعد طول شد وجذب وأحاديث ومناقشات فوجئت به يقول لي يوماً: "ممكن أقبلها سمراء بس تكون زى حضرتك كده.." فامتنعت عن التعامل معه، ولم أخبره أن هذا هو ما حاولت أن أرشحه له من البداية زوجة تفهمه وتحاوره وتساعده وليس "عروسة حلاوة" توضع في فترينة...
وهنا تدخل صديقي محتجاً: ولكن الجمال ضروري ومطلوب، فأجبته ضاحكة: أحبائي لست ضد الجمال.. أنا ضد التعنت الشكلي الذي خلقه الإعلام.. وأصبحت البنات به تلهث وراء كريمات التبييض.. وكريمات التقشير، ومشابك التقويم في أسنان لا يعيبها سوى أنها لا تشبه ابتسامة كرست الساحرة.. أبكي دماً على بناتنا والريجيم والرياضة والجنون المستمر ليكون مقاس الوسط مع الأرداف مناسبا للبنطال الجديد الذي يتحرك مع حركة عظام الحوض، وليست المشكلة خاصة بالشباب، ولكنها فقط أكثر وضوحاً.. ربما لأنه صاحب القرار وصاحب الاختيار وربما لأن الإناث يشعرن أحياناً بفداحة مشكلتهن الخاصة فيتنازل منهن الكثير.
أما بناتنا فيبحثن عن الشاب ممشوق العضلات الطويل صاحب الجسد الرياضي، وحبذا ألا يكون أصلع، ويكون شبابياً.. قالت لي مرة إحداهن غاضبة: "هذا شكله أكبر من بابا (هذا لمجرد أنه كان يرتدي بذلة ليست على أحدث صيحة) طيب يا ستي تستطيعين أن تعدلي من ذوقه في اختيار ملابسه إذا كان هذا هو عيبه الوحيد.. أبداً".
وقالت أخرى: "لا.. لا.. مش ممكن مش شبه أزواج صديقاتي شكله مختلف... يعنى إيه يا بنتي؟ مش عارفة بس مش نفس الإستايل!! طيب مالك وأزواج صديقاتك لماذا تتأملينهم بشدة هكذا؟!".
وتمر السنون ولا يبحث الشاب عن الصبية الجميلة الورعة التقية ابنة الحسب والنسب وصاحبة المال والكمال ويرضى بديلاً عن أغلب الأشياء إلا هذا الجمال الذي يختطف اللب من النظرة الأولى... فلا الشباب يتزوج ولا إذا تزوج يجد المودة والرحمة، وارتفعت معدلات الطلاق، كما ارتفع سن الزواج وقلّت فرص الإنجاب وازدادت مشكلة العنوسة، وتزداد نقاط الوهن والضعف الذي ينخر في مجتمعنا الشرقي.
/عمر خالد
تذكرت هذا الحوار مع خبرتي المتواضعة في مجال تزويج الشباب والتي بدأتها منذ عام 77 ولم أكن قد تزوجت أنا شخصياً، أرى أن الفرق بين ابن العشرين من عشرين عاماً والموجود حالياً فرق أكبر من مجرد كبير.. كنت أيامها حين أقوم بترشيح عروس يسألني الشاب مجموعة أسئلة تنبئ بصورة واضحة عن أهم ركائز تفكيره في إقامة بيت: بنت مين؟ أهلها ناس طيبون؟ "شكلها إيه؟ متدينة؟ خريجة إيه؟ هل تعمل؟ هل مصممة على العمل بعد الزواج؟ هل تعلم بظروفي ومستوى دخلي؟.
كان هذا هو نوع الأسئلة التي أواجهها، وكانت الإجابات سهلة هينة بإذن الله وكانت أغلب مشاريع الزواج تتم إذا كانت الترشيحات مناسبة ومدروسة من البداية، وكم سعدت بكم الدعاء الذي حصلت عليه من آباء وأمهات كنت السبب الذي قدره الله لإسعاد ابنهم أو ابنتهم.. ولكن ومع مرور السنين.. لست أذكر على وجه التحديد متى أصبحت طلبات الزواج فجة، ولكنها بالتأكيد تدرجت حتى نطقت فجأة بقبح في قواعد الاختيار ما كان ليعرفه المجتمع المصري أو الشرقي المسلم لولا التليفزيون والفضائيات.
وإليكم هذا الحوار التقليدي الذي سمعته لأول مرة من شاب على دين وخلق ولا أزكيه، وكان هذا من حوالي 5 أو 6 سنوات، ثم أصبح هو الحوار العادي لطالب الزواج مع بعض اختلافات هنا وهناك:
"عاوز حضرتك تساعديني في إيجاد عروس... فسألته: وما ظروفك يا بني؟ وسأتجاوز نقطة الظروف؛ فحسب كل شخص يكون الترشيح، أما سؤالي الأخير فهو دائماً: لك شروط معينة يا بني؟ أبداً والله يا دكتورة تكون مقبولة وبنت حلال؟!
عاوز عروسة تكون...
وأبحث بجدية لأعثر على الترشيح المناسب الذي يتكامل مع ظروفه ونتفق على أول موعد لقاء وإليكم بعض التعليقات:
"دي سمراء..." (هو إحنا يا بني في النرويج.. متوقع طبعاً تكون خمرية)
"لا يا حاجة أنت بتحثيني على الفضيلة؟!" (لأنها ترتدي نظارة)
"الحقيقة لا يوجد اتفاق" (هو أنت كلمتها علشان تتفقوا أو تختلفوا؟)
ونأتي لبيت القصيد.. "أخبرني يا ولدي عن الشكل الذي تريده؟!.. يعني بيضاء طويلة ملفوفة، أفضلها شقراء.. لو عينيها ملونة.. لازم تكون بيضاء قوي.. عاوزها شبه فلانة.. (وفلانة هذه نجمة إعلانات أو ممثلة ناشئة) يعني ما هو أنا محتاج أعفّ نفسي ولازم هي تعفّني وتساعدني كي لا أنظر لغيرها".
فما وجدته يا سادة أن الشباب حتى الملتزم منهم أصبحت في عينيه صورة للزوجة المستقبلية، وجعل منها قالباً يحاول إدخال كل فتاة إليه فإن انضبط مقاسها فبها ونعمت، وإن لم ينضبط فهو يعتذر حتى قبل أن يسمعها أو يعرف عن دينها وشخصيتها أي شيء...
أحياناً أقبل هذا السفه واعذروني في التسمية حين يكون الشاب وسيماً ثرياً ناجحاً وأقول لنفسي أمامه فرص الاختيار الواسعة وهو مدلل بالبيئة والنشأة، ويستطيع شراء الجمال..
أما أن تجد رجلاً يبلغ 38 عاماً، وهو رجل فاضل يبحث عن زوجة لا تزيد عن 26-27 عاماً لا تزيد عن ذلك، ويريدها شقراء بشعر بني طويل، أو بيضاء بشعر أسود ليلي طويل أيضاً، وفي كل مرة يشير إلى فتاة رائعة الجمال ويقول: "صدقيني لو جلست معي قليلاً فستحبني أنا إنسان طيب وملتزم".. وترفض جميلة الجميلات الفكرة من بابها وهو حزين لرفضها.
بالله عليكم - وقد أخبرته مواجهة بهذه النقطة - ماذا يقدم هو لهذه اليافعة الجميلة (12 سنة فرق سن وإمكانيات يا دوب معيشية...) الزواج ليس تجارة، ولكنه شراكة وفي كل شركة هناك حسابات ودراسة جدوى.. أما هو فمصمم على السن لأنه يشعر أنه شاب وصحته كويسة، ويحتاج عروساً صغيرة يلاعبها وتلاعبه... ممكن ولكن على شرط ألا تكون فائقة الجمال إلى الحد الذي يطلبه.. ولكن أبداً..
المضحك - وقد تعلمون جميعاً أني مصرية سمراء صميمة لا تخطئ ملامحي وسط مئات النساء أني مصرية- أنه بعد طول شد وجذب وأحاديث ومناقشات فوجئت به يقول لي يوماً: "ممكن أقبلها سمراء بس تكون زى حضرتك كده.." فامتنعت عن التعامل معه، ولم أخبره أن هذا هو ما حاولت أن أرشحه له من البداية زوجة تفهمه وتحاوره وتساعده وليس "عروسة حلاوة" توضع في فترينة...
وهنا تدخل صديقي محتجاً: ولكن الجمال ضروري ومطلوب، فأجبته ضاحكة: أحبائي لست ضد الجمال.. أنا ضد التعنت الشكلي الذي خلقه الإعلام.. وأصبحت البنات به تلهث وراء كريمات التبييض.. وكريمات التقشير، ومشابك التقويم في أسنان لا يعيبها سوى أنها لا تشبه ابتسامة كرست الساحرة.. أبكي دماً على بناتنا والريجيم والرياضة والجنون المستمر ليكون مقاس الوسط مع الأرداف مناسبا للبنطال الجديد الذي يتحرك مع حركة عظام الحوض، وليست المشكلة خاصة بالشباب، ولكنها فقط أكثر وضوحاً.. ربما لأنه صاحب القرار وصاحب الاختيار وربما لأن الإناث يشعرن أحياناً بفداحة مشكلتهن الخاصة فيتنازل منهن الكثير.
أما بناتنا فيبحثن عن الشاب ممشوق العضلات الطويل صاحب الجسد الرياضي، وحبذا ألا يكون أصلع، ويكون شبابياً.. قالت لي مرة إحداهن غاضبة: "هذا شكله أكبر من بابا (هذا لمجرد أنه كان يرتدي بذلة ليست على أحدث صيحة) طيب يا ستي تستطيعين أن تعدلي من ذوقه في اختيار ملابسه إذا كان هذا هو عيبه الوحيد.. أبداً".
وقالت أخرى: "لا.. لا.. مش ممكن مش شبه أزواج صديقاتي شكله مختلف... يعنى إيه يا بنتي؟ مش عارفة بس مش نفس الإستايل!! طيب مالك وأزواج صديقاتك لماذا تتأملينهم بشدة هكذا؟!".
وتمر السنون ولا يبحث الشاب عن الصبية الجميلة الورعة التقية ابنة الحسب والنسب وصاحبة المال والكمال ويرضى بديلاً عن أغلب الأشياء إلا هذا الجمال الذي يختطف اللب من النظرة الأولى... فلا الشباب يتزوج ولا إذا تزوج يجد المودة والرحمة، وارتفعت معدلات الطلاق، كما ارتفع سن الزواج وقلّت فرص الإنجاب وازدادت مشكلة العنوسة، وتزداد نقاط الوهن والضعف الذي ينخر في مجتمعنا الشرقي.
/عمر خالد